ليس من سبيل واضح من الناحية العلمية والعملية- بخصوص طرائق تعاملنا مع الأطفال عبر مهارات توصيل ما نريد إيصاله لهم من قيم ومعلومات ومعارف تتناسب ونسب أعمارهم-غير الإرتهان والتباهي باللعب الحاني والحاذق في تمرير كل تلك الغايات التربوية الخالصة والنبيلة،الرامي الى خلق شخصية الطفل وتثبيت دعائمها لكي تتعامل مع تعقيدات ما سيحمله المستقبل في تكوين الشخصية الإنسانية على مدى مراحل تطوراتها الحتمية في صياغة نهائية لقيمة الفرد،وطبيعة تفردات الواحد عن الأخر فيما مجال ما يعرف ب(علم نفس الفوارق الفردية) أوعلم(النفس الفارقي)أي بمعنى آخر(فردنة السلوك).
سوف لن نأتي بشيىء جديد،أن شئنا التذكير- مجددا- بأهمية مرحلة الطفولة في حياة الإنسان،كونها حجر الزاوية الصلد في معمار بناء شخصيته العامة،وعليها(أي مرحلة الطفولة) تترتب الكثير من الأمور والمتعلقات في مراسيم ترسيم حدود الذات الفردية،بل تتعدى-أصلا- نحو بناء المجتمع الذي يحيا به الفرد،باسره.
من هنا يتلقفنا الإنتباه الضروري نحو ممتلكات التأمل ومنصات الإعلان،في تقيم الأعمال الفنية الخاصة بأنقى مخلوقات الله،متمثلة بالمسرح والسينما وبقية طواقم تلك الفنون،وما زهو إعترافا العلني بقيمة العمل الذي أقدم عليه المخرج الدؤوب(حسين علي صالح)عبر مسرحية أستظلت بعنوان(نشيط والعناصر الأربعة)للمؤلف والمخرج المسؤحس المعروف(مقداد مسلم) إنتاج دائرة السينما والمسرح،وبأشراف (د. نوفل أبو رغيف)المديرالعام للدائرة والمتحدث الرسمي لفعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربية/2013،عبرعرض شيق تم عرضه ليومين صباح(الثاني والثالث من شباط /2014) على خشبة المسرح الوطني،وبحضور طيب لعدد من طلبة المدارس ورياض الأطفال،فضلا عن المهتمين والمتابعين لهذا الجانب المشرق والصعب معا في مجال لا يراهن على الغوض فيه الإ من تمتع بروح تتسع لوهج إحتضان عالم شديد النقاء والبراءة،خال من أية نزعة أو غرض لا يقيم للجمال والحياة الحقة وزنا يناسب أو يوازي سحر عوالم الطفولة الرحبة وشساعة أفاقها المفتوحة-دوما- على مصرعيها،والإ مالذي دعا روائي كبير بحجم(تولستوي)لكي يعلن امام الملأ عن عمق فخره وغبطة زهوه بأن ما كتبه من أعمال للأطفال،كان الأعز عليه من كتابة روايته الرائعة(الحرب والسلام) و(أنا كارنينيا) وغيرها من روايات وقصص للكبار.
تبنى المخرج(حسين على صالح) فكرة المؤلف(مقداد مسلم)ليؤلف(هو)أنساق أنظمته الخاصة والمتمرسة في مجال إخراجه لعدد كبير من الأعمال الموجهة للأطفال من تلك التي وسمت تجربته بميول وإتجاهات هادفة ومفكرةعبر إمتلاكه روحا وثابة وعقلا جماليا قادرا على تعميق صلة وعيه وشجاعة نبل أفكاره وهي تسعى بثبات و رسوخ نحو هذا النهج التربوي والنفسي فضلا كميات ما جاء يحمله نص مسرحية(نشيط والعناصر الربعة)من معلومات(عناصرالحياةالأربعةمن ماء/نار/اتراب-أديم/وريح) استطاعت أن تجسد لأفكاروقيم وحكم ونصائح غير مباشرة أحترزت لكي تحترم وتقيم عقل الطفل تبعا لصلة وصلاحية تقديم المعلومة والفكرة للمشاهد من هذا النوع دون أدنى تفريط بروح المرح والبهجة التي صنعها المخرج اليقظ لمتممات جوهر عمله المتميز هذا،عبر تفهماته لمعنى قيمة اللعب (السايكو- دراما) الذكي والحاذق في تمرير كل هذه الأهداف الراقية لتعليم الطفل لمفردات وجوده فوق سطح كوكب الأرض،مع واجب فرض ضخ مجموعة من القيم الإنسانية النبيلة تضادد وتصدي لقيم الرذيلة من جشع وطمع وكذب ونفاق،مستعينا بفريق عمل برع بتحويل هذا النص المكتوب على الورق من خلال طراوة الحركة وسلامة اللغة وحيوية مرح الممثلين الذين أجازوا لأنفسهم مهابة التعامل من كائنات يقظة،غاية في الذكاء والأنتباه لكي يوصلوا مآثر حضورهم المرن والشقي طوال عرض المسرحية على مدار ساعة ونصف تقريبا،دون إنقطاع أو خفوت جراء المشاهد الممتعة والديكور الجميل-المبهر وال(سينوغرافيا) المدهشة للفنان البارع(سهيل البياتي) مع توافقات عرض للممثلين أكفاء تدرعوا بمهارات ما كانوا يمتلكون من برعة أداء وحسن إتقان لإدوارهم تلك التي نجح بتوزيعها المخرج على كل من( قحطان زغير....بدور- بديع/صادق عباس... بدور- الثري ومدير المستشفى/ طه المشهداني.... بدور- نشيط/سولاف.... بدور-نيران/شيماءجعفر....بدور-أمواج/علاءقحطان....بدور-نسيم/وعبدالنبي جابر.... بدور-أديم)حين راحوا يتبارون بوهج أوراح طيعة،محلقة في سموات ذلك العرض الذي يعد أضافة نوعية-واعية في مجال مسرح الطفل في العراق،عموما وإستجابة إبداعية حافلة بوجودها المتميز في سجل منجزات الفنان(حسين علي صالح) الإخراجية وتطلعاته في رفد هذا المجال الصعب والمعقد جراء معمعة التفكير والتذكير بتحديد المرحلة العمرية التي يجب أن تناسب ما يجب أن يقديم للأطفال،وتلك في ظني معضلة يصعب معالجتها وتذليلها بسبب قلة الكتاب المتخصيين لهذا الجانب،فضلا عن توالد أسباب فنية وتقنيات أخرى تحاذي ما يتردد في الأوساط القريبة من مجالنا المسرحي حول واقع مسرح الطفل وطبيعة التفكير الجدي للنهوض به وبما يتناسب وحجم الحاجة اليه هدفا ومسعى لغاية مثلى في بناء أركان الحياة التي نريد ونطمح -مجددا-،ولعل ما جاء يحفز عندي هذه الخواطر الشاقة والدواخل المضنية على واحد مثلي كان قد بدأ حياته في الكتابة للأطفال منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي،هي روح الوثوب والأنشداد الحقيقي الذي تمثل تاليفا وإخراجا وتمثيلا رائعا في روح ومثابات مسرحية(نشيط والعناصر الأربعة)التي أهابها تضاهي-بوثوق- بل تفوق أفضل وأهم الأعمال المسرحية التي شاءت لنا الظروف والمشاركة في المهرجانات العربية مشاهدتها طوال سنوات طويلة،لما حملته من وضوح رؤيا،ونظافة أفكار،وبراعة يقظة في توصيل مقاصد ما جاءت تحمل هذه المسرحية من معلومات وتنبهات تسللت بخفة ورشاقة ودراية نادرة لمعنى التعامل مع عوالم الطفل،بفضل عناية وجدية إختيار كادر حريص ومتفان في زخ مشاعر مرحة وصريحة زهت بتخصيب فكرة النص على خشبة المسرح لتفرض وجودا مبهجا... مبهرا... بسيطا... وعميقا ... وساحرا في ذات لحظات توهجه منذ شروع خط البداية حتى إظلام الخشبة نهاية العرض عبر متواليات نجاح مدهش تماسك بسيل حرارة تصفيق متواصل وتشجيع حميمي معلن من لدن جمهور الحضور،حين تعمد بنبع عمل نظيف مشرق وشفاف، صفف تراتيب عناصره ووحداته مخرج حصيف وواع لدوره،فيما جسده ببراعة رهط من ممثلين مهره وأنقياء تكاشفت أرواحهم وتسامقت في حضرة محراب الطفولة،التي عادة ما نحن لها ونتوق بشوق عارم وحسرات عميقة كتلك التي عبر عنها الشاعر الأسباني القديم (خمنيث) قائلا بنصح ولوعة؛(أنا صحوت من الطفولة .... لا تصحو أنت أبدا).